في زمن الدولة الأموية حاصر المسلمون أحد حصون الروم المنيعة (القوية) شهوراً ولا يستطيعون فتحه، فأمر مسلمة بن عبد الملك أمير الجيوش مجموعة من الجنود أن يتسللوا في الليل إلى سور الحصن وينقبوه (يفتحوه فيه فتحة)، فعملوا بجد حتى أحدثوا فتحة صغيرة في السور، فأحس بهم حراس الحصن، فرموهم بالسهام وكرات النار المشتعلة والزيت الحار فانسحبوا، وعادوا إلى معسكر المسلمين، ولم ينتبه الروم لذلك النقب الذي أحدثه المسلمون في السور، ولما اشتد القتال، نادى مسلمة بن عبد الملك في الجيش:
- من يتسلل من النقب ويفتح لنا أحد أبواب الحصن من الداخل، واجعله نائبا لي في قيادة الجيش، وأعطيه ما شاء من الأموال والغنائم؟
ولم يتقدم أحد، فقد كانت المهمة خطيرة جداً، وجنود الروم يقذفون كل من يقترب من الأسوار، بالسهام، والحراب، والحجارة والزيت الحار، فالموت مصير كل من يقترب من أسوار الحصن.
وبدأت المعركة لفتح الحصن، فتقدم أحد جنود المسلمين بشجاعة وثبات، رغم الخطر نحو النقب، ودخله واستطاع أن يفتح أحد أبواب الحصن، فاندفع الجيش الإسلامي إلى داخل الحصن كالسيل الجارف، وفتح الله عليهم وانتصروا على عدو الله.
وبعد الفتح نادى مسلمة في الجيش: أين صاحب النقب لينال مكافأته؟
ولم يتقدم أحد، وظل الحال أياماً والأمير مسلمة ينادي صاحب النقب، حتى كان ذات ليلة جاء أحد المسلمين إلى خيمة الأمير، وقال للحراس أنا أدلكم على صاحب النقب.
فأدخلوه على الأمير بسرعة، فقال الجندي: إن صاحب النقب لن يكشف عن شخصيته إلا بشروط.
فقال مسلمة متلهفاًً: له ما شاء من المال والغنائم.
فقال الجندي: إنه لا يطلب مالاً ولا جاهاً ولا يريدكم أن تعلنوا اسمه للناس.
فاستغرب مسلمة من ذلك، لكنه كان يريد أن يتعرف على الرجل، فوافق، فقال الرجل: أنا صاحب النقب، وقد فعلت ذلك أيها الأمير حتى يكون جهادي خالصاً لله تعالى.
وأخذا عهداً على مسلمة ألا يكشف اسمه لأحد وخرج، ومرت مئات السنين ولم يعرف أحد ذلك الرجل الشجاع. الله سبحانه وتعالى وحده يعرف هذا الرجل والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.